يُعَدّ نجم سهيل من أعظم النجوم التي أسرت اهتمام الإنسان منذ آلاف السنين، فهو ليس مجرد جرم سماوي يضيء السماء الجنوبية، بل رمز ثقافي وعلمي ارتبط بالقصص والأساطير والتقاويم الفلكية.
وفي العالم العربي على وجه الخصوص، اكتسب سهيل مكانة خاصة جعلت ظهوره في السماء حدثًا ينتظره الناس عامًا بعد عام، معتبرين إطلالته بشارة بتغيّر الفصول وتبدّل الأجواء المناخية.
لمعان فائق يميّزه بين النجوم
يتربّع سهيل على عرش المرتبة الثانية بين ألمع نجوم السماء بعد نجم الشعرى اليمانية (Sirius).
يضفي عليه ضوؤه الأبيض الناصع حضورًا فريدًا يجعل من السهل تمييزه حتى للعين المجرّدة في الليالي الصافية.
ويعود سرّ هذا التوهج إلى كونه نجمًا عملاقًا عظيم الكتلة، يضيء بسطوع يفوق الشمس آلاف المرات، ما يجعله علامة مضيئة في الأفق الجنوبي.
رحلة الضوء: نافذة على الماضي
من أروع الحقائق العلمية أن المسافة بين الأرض ونجم سهيل تبلغ حوالي 310 سنة ضوئية، وهو رقم مذهل يعني أن الشعاع الذي يراه الإنسان اليوم قد انطلق قبل أكثر من ثلاثة قرون، أي أن المشهد الذي يُرصَد حاليًا هو صورة تاريخية تعود إلى نحو عام 1715م.
هذه الحقيقة تجعل من النظر إلى سهيل تجربة تتجاوز حدود الحاضر، إذ تمنحنا لمحة عن ماضي الكون ورحلته عبر الزمان والمكان.
أهمية في التراث العربي والإسلامي
ارتبط ذكر سهيل في الشعر العربي والأمثال الشعبية، حيث كان ظهوره في السماء يُبشّر بمواسم معينة مثل اعتدال الحرارة وانكسار شدة الصيف.
وقد اعتمد العرب على طلوعه في وضع التقاويم الزراعية ومعرفة مواقيت الأسفار البحرية، لما يميّزه من ثبات نسبي في السماء الجنوبية. وفي التراث الإسلامي، ورد اسمه في كتابات علماء الفلك المسلمين الذين اعتنوا بدراسة منازل النجوم والاستفادة منها في التوقيت والملاحة.
المشاهدات الفلكية من المملكة
من العاصمة الرياض، يظهر نجم سهيل في اتجاه الجنوب الشرقي بزاوية 150 درجة تقريبًا، ثم يتحرك عبر السماء حتى يغيب في الجنوب الغربي عند زاوية 209 درجات.
ويستغرق حوالي سبع ساعات وربع الساعة فوق الأفق، حيث يحتاج ثلاث ساعات و38 دقيقة ليصل إلى نقطة الزوال، ثم نفس المدة تقريبًا ليغيب.
هذا الانتظام الفلكي كان وما زال أداة للعلماء والمزارعين والرحالة في قراءة الطبيعة وتوقع التغيرات المناخية.
بين العلم والانبهار
يمثل سهيل اليوم جسرًا بين الماضي والحاضر؛ فهو من ناحية موضوع أبحاث علمية متقدمة في الفيزياء الفلكية، ومن ناحية أخرى ملهمٌ ثقافي وشعري في الذاكرة العربية.
إنه شاهد على عظمة الكون وسرّ من أسرار الخلق، يدعونا إلى التأمل في جمال السماء وسحرها الذي لا ينتهي.