تُعد القصة من أقدم وأغنى أشكال الأدب الإنساني، إذ تمثل مرآة تعكس حياة الشعوب وتقاليدها وقيمها ومعتقداتها. في التراث العربي، احتلت القصة مكانة بارزة، إذ لم تكن مجرد وسيلة للتسلية، بل أداة لتعليم الحكمة، وغرس القيم، ونقل الخبرات بين الأجيال.
منذ الجاهلية، عُرف العرب بفن السرد، فكانت قصص البطولة والمروءة تُروى في المجالس، مثل قصص عنترة بن شداد والزير سالم، التي تجسد معاني الشجاعة والكرامة. ومع مرور الزمن، تطور الأدب القصصي العربي ليشمل موضوعات متنوعة تمس النفس البشرية، وتعالج قضايا اجتماعية وإنسانية بعمق وواقعية.
ومن أبرز الأعمال التي شكلت علامة في التراث العربي والإسلامي قصص القرآن الكريم، التي جمعت بين البلاغة والفكر والعبرة، مثل قصة يوسف عليه السلام التي تُعد نموذجًا في الصبر والثقة بالله، وقصة موسى مع فرعون التي تجسد الصراع بين الحق والباطل.
أما في العصر الحديث، فقد شهد الأدب العربي نهضة قصصية لافتة، حيث برزت أسماء مثل نجيب محفوظ ويوسف إدريس وغسان كنفاني، الذين استخدموا القصة القصيرة والرواية كوسيلة للتعبير عن قضايا الإنسان العربي بين الماضي والحاضر.
القصة ليست مجرد حكاية، بل هي رحلة فكرية وعاطفية تعكس تجارب الإنسان في مواجهة الحياة، وتمنحه فرصة للتأمل والتغيير. فهي تجمع بين الخيال والواقع، وتغذي الوجدان بالمعاني، وتزرع في القارئ الإحساس بالانتماء والمعرفة.
ومن القصص العربية الجميلة التي ما زالت تُروى حتى اليوم:
قصة “الأمير الصغير والنجوم” – تحكي عن أمير شجاع خرج ليعيد النور إلى قريته بعد أن غابت عنها الشمس، فتعلم خلال رحلته أن الشجاعة لا تكون في القوة وحدها، بل في الصبر والإصرار على الخير.
قصة “العجوز والحلم” – عن امرأة بسيطة حلمت بأن تزرع شجرة في أرض قاحلة، وبعد سنوات أصبحت تلك الشجرة ملاذًا للناس، لتُظهر أن الأمل يمكن أن يزهر حتى في أصعب الظروف.
إن القصة، في جوهرها، توحّد الإنسان مع ذاته ومع الآخرين، لأنها تفتح أمامه أبواب الفهم، وتجعله يرى العالم من زوايا مختلفة. ولهذا تبقى القصة جزءًا أصيلًا من ثقافتنا العربية، ووسيلة خالدة للحوار بين الماضي والحاضر، وبين الحلم والواقع.
