يشهد العالم في الوقت الراهن إعادة تقييم شاملة لمسار التحول في قطاع الطاقة، إذ أكّد رئيس أرامكو وكبير إدارييها التنفيذيين، أمين الناصر، أنّ الاستثمار طويل الأجل في النفط والغاز سيظلّ عنصرًا أساسيًا لتلبية الطلب العالمي المتزايد على الطاقة.
جاءت تصريحات الناصر خلال مشاركته في منتدى “إنتليجنس إنرجي” للطاقة في العاصمة البريطانية لندن، حيث شدّد على أنّ سياسات الطاقة المستقبلية يجب أن تستند إلى واقعية العرض ونمو الطلب، لا إلى التوجهات الآنية أو الافتراضات غير الواقعية حول استبدال المصادر التقليدية.
وأوضح الناصر أن أرامكو تواصل توسيع أعمالها في مجالات النفط والغاز والبتروكيماويات، إلى جانب تعزيز استثماراتها الاستراتيجية في مجالات التقنية والبنية التحتية الرقمية لضمان نمو طويل الأمد في سوق عالمي يشهد تحولات مستمرة.
وقال الناصر: “الكثير من الوعود المتعلقة بالتقدم في التحول الطاقي لم تتحقق بعد، بل وأدت إلى نتائج غير مقصودة.” مضيفًا: “في الواقع، ما نشهده ليس تحولًا حقيقيًا في الطاقة، بل هو إضافة للطاقة تتطلب تضافر الجهود من جميع الأطراف.”
وأشار إلى أن أبرز المؤسسات العالمية المعنية بتوقعات الطاقة عدّلت نماذجها المستقبلية، مرجّحة أن يظل النفط والغاز جزءًا محوريًا من مزيج الطاقة العالمي لعقود مقبلة، وهو ما اعتبره الناصر إشارة واضحة إلى أهمية الاستمرار في الاستثمار طويل الأمد في هذين القطاعين الحيويين.
وتتوافق هذه الرؤية مع تقديرات مؤسسات دولية؛ إذ توقعت وكالة التصنيف الائتماني فيتش (Fitch Ratings) أن يرتفع الطلب العالمي على النفط بمقدار يتراوح بين 700 إلى 800 ألف برميل يوميًا حتى عام 2026، في مؤشر على استمرار الاعتماد على الهيدروكربونات رغم جهود التحول نحو الطاقة المتجددة.
كما أظهرت وكالة الطاقة الدولية (IEA) في تقريرها السنوي “مراجعة الطاقة العالمية 2025″ أن الطلب على الطاقة ارتفع خلال عام 2024 في جميع المصادر الرئيسية — بما في ذلك المتجددة والوقود الأحفوري والطاقة النووية — ما يؤكد أن قدرات الطاقة المتجددة الحالية غير كافية لتعويض النمو المتسارع في الاستهلاك.
ويعزز هذا الواقع ما أكّده الناصر بأنّ العالم لا يمر بـ”تحول طاقي” بالمعنى الحرفي، بل بـ”إضافة طاقة”؛ أي أن المصادر الجديدة تُضاف إلى مزيج الطاقة بدلًا من أن تحل محل الوقود التقليدي.
وفي السياق ذاته، أشارت الوكالة الأوروبية للبيئة إلى أن الاتحاد الأوروبي لا يزال متأخرًا عن تحقيق عدد من أهدافه في مجالات الطاقة والمناخ، مما يعكس حجم التحديات في تطبيق الخطط الطموحة حتى داخل الاقتصادات المتقدمة.
وقال الناصر في هذا الصدد: “حتى في الدول المتقدمة، فإن الحقائق الاقتصادية، وحدود التقنية، ومدى قبول المجتمع للسياسات الحالية، كلها عوامل تدفع إلى مراجعة شاملة واستدراك مرحّب به لبعض التوجهات.”
أما عن الاستراتيجية الطويلة الأمد لأرامكو، فقد شدد الناصر على أن الشركة ماضية في الحفاظ على موقعها الريادي في إنتاج النفط عالميًا، مؤكدًا: “نحن مصممون على البقاء في موقع الريادة بفضل مواردنا الضخمة، وتكاليفنا المنخفضة، وانخفاض كثافة الكربون في عملياتنا مقارنة ببقية الصناعة.”
كما أشار إلى أن الشركة تعمل على تعزيز استثماراتها في قطاع الغاز الطبيعي، وخاصة الموارد غير التقليدية، والتي تُعد من أكبر الاحتياطيات في العالم.
وأضاف أن قطاع الكيماويات يمثل مجال نمو استراتيجيًا للشركة، مستندًا إلى تفوقها في مجال المواد الأولية والتقنيات التحويلية.
وفي الجانب التقني، أوضح الناصر أن أرامكو توسع نطاق استخدام الذكاء الاصطناعي والحلول الرقمية لرفع كفاءة العمليات وتعزيز الاستدامة، مضيفًا: “نواصل تحقيق تحسينات في الكفاءة التشغيلية، ونخفض باستمرار كثافة الانبعاثات الكربونية والميثان في أنشطة المنبع.”
كما أشار إلى برنامج رأس المال الاستثماري للشركة بقيمة 7 مليارات دولار، والذي يركّز على تطوير التقنيات القابلة للتوسع، لا سيما في مجالات الطاقة الجديدة.
واختتم بالقول: “في نهاية المطاف، تظل القيمة هي محور استثماراتنا في تطوير التقنية والذكاء الاصطناعي والحلول الرقمية. ونتبنى النهج ذاته في دخول مجالات الطاقة الجديدة، استعدادًا للتوسع حين تصبح مجدية تجاريًا.”
ويُعد منتدى “إنرجي إنتليجنس” حدثًا سنويًا يجمع قادة قطاع الطاقة والسياسة والتمويل والأعمال لمناقشة التحديات العالمية وصياغة رؤى مشتركة حول مستقبل الصناعة.
وقد ركزت نسخة هذا العام على تداعيات السياسات الحمائية والتحديات المعقدة التي تواجه مسار التحول في الطاقة عالميًا.