يقول البعض أن التهنئة بيوم الجمعة بدعة وأنه لا يجوز ذلك، ووجد بعض الناس أن من يقول ذلك من العلماء، لذلك وجب التوضيح في النقاط التالية:
أولا: أيهما أفضل الجمعة أم عرفة؟
في الإسلام، ليوم الجمعة عن غيره من أيام الأسبوع من الفضل والميزة، وقد عده البعض أفضل من يوم عرفة.
فقال ابن القيم: “وقد اختلف العلماء هل هو أفضل، أم يوم عرفة؟ على قولين: هما وجهان لأصحاب الشافعي”.
ثانيا: من خصائص يوم الجمعة
وقد ذكر ابن القيم 33 خصيصة ليوم الجمعة منها:
- كان صلى الله عليه وسلم يقرأ في فجره بسورتي “السجدة” و “الإنسان”.
- استحباب كثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه وفي ليلته.
- خيرة الله من أيام الأسبوع، وفيه صلاة الجمعة التي هي من أكثر فروض الإسلام تأكيدا.
- الأمر بالاغتسال في يومها، والتطيب فيه، والسواك فيه، وأنه يستحب أن يلبس فيه أحسن الثياب.
- التبكير للصلاة، وأن يشتغل بالصلاة والذكر والقراءة حتى يخرج الإمام.
- قراءة “الجمعة والمنافقين” أو “سبح والغاشية” في صلاة الجمعة، وقراءة الكهف في ليلة الجمعة ويومها.
- يوم تكفير السيئات، وفيه ساعة الإجابة، ويستحب أن يتفرغ فيه للعبادة.
- لما كان في الأسبوع كالعيد في العام، وكان العيد مشتملا على صلاة وقربان، وكان يوم الجمعة يوم صلاة، جعل الله سبحانه التعجيل فيه إلى المسجد بدلا من القربان.
- للصدقة فيه مزية عليها في سائر الأيام، والصدقة فيه بالنسبة إلى سائر أيام الأسبوع كالصدقة في شهر رمضان بالنسبة إلى سائر الشهور.
- يوم يتجلى الله عز وجل فيه لأوليائه المؤمنين في الجنة، وزيارتهم له، فيكون أقربهم منهم أقربهم من الإمام، وأسبقهم إلى الزيارة أسبقهم إلى الجمعة.
- يوم اجتماع الناس وتذكيرهم بالمبدأ والمعاد، وهو اليوم الذي تفزع منه السماوات والأرض، والجبال والبحار، والخلائق كلها إلا الإنس والجن؛ مخافة قيام الساعة.
- يوم عيد متكرر في الأسبوع، لذا يكره إفراد يوم الجمعة بالصوم.
ثالثا: مظاهر العيد في يوم الجمعة
ويتضح لنا الشبه بين العيد الأسبوعي والعيد السنوي (الفطر والأضحى)، ومن أهم هذه المظاهر:
-
الغسل والتطيب
روى البخاري عن سلمان الفارسي، قَال: قال رسول اللَّه صلّى الله عَلَيه وَسلّم “مَن اغْتَسل يومَ الجمعة، وتطَهّر بما استطَاعَ مِن طُهْر، ثُمّ ادَّهَن أو مسَّ مِنْ طِيب،
ثُمَّ راح فلمْ يُفَرِّقْ بين اثنين، فَصَلَّى مَا كُتِب لَه، ثُمّ إذا خَرَج الإمام أَنْصَت، غُفِرَ له ما بينه وبين الجمعة الأخرى”.
وروى ابن ماجه عن ابن عبّاس، قَال: قَال رسُول اللَّه صَلّى اللهُ عليه وسلّم: “إنّ هذا يوم عيد، جعله اللَّه للمسلمين، فَمَنْ جاء إلى الجمعة فَلْيَغْتَسِلْ، وَإنْ كَان طِيب فَلْيَمَسَّ مِنْه، وعَليكم بالسِّواك”.
-
لبس أحسن الثياب
روى أحمد عن أبي سعِيد الْخُدْرِيّ، وأبي هُرَيْرَة قالا: قال رَسُول الله صَلَّى الله عَليه وسَلّم “مَن اغْتسل يوم الجمعة، واستاك، ومَسّ مِن طِيب إِن كَان عِنده،
وَلَبس مِنْ أَحسَن ثِيابه، ثُمّ خَرج حَتّى يأْتِي المسجد، فلم يَتَخطَّ رِقاب النّاس، ثمّ ركع مَا شاء أَنْ يركع، ثمّ أَنصت إذَا خَرج الإِمامُ، فَلَم يَتكلّمْ حَتّى يفْرُغ مِن صَلاته، كانت كَفّارةً لما بَينَها وَبين الْجمعة الّتِي قَبلَها.
وَكان أبو هريرة يقول “وثلَاثة أيّام زيادة، إنَّ اللهَ جعل الْحَسَنة بِعَشر أمثالها”.
-
تقديم قربان كيوم الأضحى
روى البخاري ومسلم عَن أبي هريرة رضي اللّهُ عنه أَنّ رسول اللّهِ صلّى الله عَليه وَسلَّم قال “مَن اغتسل يوم الجمعة غُسْلَ الجنابة ثمّ راح، فَكأنّما قَرَّب بَدَنَةً،
وَمَن راح في السّاعَة الثّانِيةِ، فَكأَنّما قرَّب بَقَرَةً، وَمَنْ راح في السّاعَة الثّالِثة، فَكأَنّما قَرَّب كَبْشا أَقرن، وَمَن راح في السّاعَة الرّابعة، فَكأَنّما قَرَّب دجاجة،
وَمن راح في السَّاعَة الخامسة، فَكَأَنّما قَرّب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكَة يستمعون الذّكر”.
-
النهي عن إفراده بالصوم
روى مسلم عن أَبي هُريرَة رَضي الله عنه، عن النّبِيّ صَلّى الله عليه وَسلّم، قال “لا تَخْتَصُّوا لَيْلَةَ الجمعة بقِيام مِن بين اللّيالي، ولا تَخُصّوا يومَ الجمعة بِصيام مِنْ بين الأيام، إلّا أَنْ يكون في صوم يصومه أحدكم”.
رابعا: حكم التهنئة بيوم الجمعة
لقد شاع بين الناس في أيامنا هذه التهنئة بيوم الجمعة، ومما سهل عليهم ذلك ما يعرف بوسائل التواصل الاجتماعي،
فما يمر يوم جمعة إلا وعشرات الرسائل تأتي للمرء من كل حدب وصوب، تحمل رسائل مختلفة فيها من التهاني والتبريكات بيوم الجمعة ما لم يكن في القديم.
والحق أنه لم يرد في أمر التهنئة بيوم الجمعة عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث يصح، كل ما ورد حديث مكذوب لا يرقى للعمل به،
فقد رُوي عن ابن عباس يرفعه “مَن لَقِيَ أَخَاه عِند الانصراف مِنَ الجمعة، فليقل: تَقبّل اللَّه منّا ومنك، فإنّها فريضة أَدَّيْتموها إلى ربكم”،
والحديث حكم عليه علماء الحديث بوضعه، منهم الشوكاني في “الفوائد المجموعة”، والكتاني في “تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة”،
والألباني في “سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة”.
ولم تنقل تهنئة الجمعة عن أصحابه رضي الله عنهم، ولا عن السلف رحمهم الله تعالى، لكن الذي أميل إليه هو البعد عن التحريم في مثل هذه الأمور،
وإنما الأمر بالجواز هو الأليق والأقرب إلى روح الشريعة الإسلامية الغراء، وذلك لما يلي:
- أن التهنئة في الجمعة وفي غيرها من أمور العادات لا العبادات، وما كان من أمور العادات ففيه متسع كبير.
- أن الأصل في هذه العادات الإباحة، ويبقى الأمر على إباحته ما لم يرد في ذلك نص يحرم.
- أنه لم يرد نص يمنع من مثل هذه التهنئة، وما لم يرد نص يمنع فيبقى الأمر على أصله، والأصل في الأشياء الإباحة.
- أن هذا من التحية التي يتعارف عليها الناس، وما لم يكن في التحية مخالفة فلا بأس بها.
- أن المقصود من التهنئة التودد وإظهار الفرح والسرور، وليس هناك من مانع أن يسر العبد ويفرح بما وفقه الله من إتيان طاعة، والله يقول {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} [يونس: 58].
- لا مانع من هذه التهنئة ما دامت مصحوبة بالتذكير بما في يوم الجمعة من سنن وآداب.
- قياس ذلك على التهنئة بيومي الفطر والأضحى، فحيث جازت التهنئة في العيد السنوي فلا مانع منها في العيد الأسبوعي، وقد نقلت التهنئة عن الصحابة والتابعين في عيدي الفطر والأضحى.
اقرأ أيضًا: طريقة عمل مضغوط الدجاج الخليجي بالخلطة الأصلية
المصدر: ajnet