قبل هجوم روسيا على اوكرانيا ، كان محصول الذرة الأوكراني سيمضي في طريقه بالقطار إلى موانئ البحر الأسود،
مثل ميناءي أوديسا وميكولاييف، ثم يُحمل على سفن متجهة إلى آسيا وأوروبا،
ولكن ومع إغلاق الموانئ، تشق كميات صغيرة من الذرة طريقها بصعوبة باتجاه الغرب باستخدام القطار عبر رومانيا وبولندا قبل شحنها إلى الخارج.
وما يضيف إلى المعاناة هو الاضطرار إلى تغيير عجلات عربات القطار عند الحدود لأن القطارات الأوكرانية،
خلافاً للقطارات الأوروبية، تتحرك على خطوط حديدية عريضة موروثة من العصر السوفييتي.
تزايدت صعوبة نقل هذا المخزون – الذي يشكل نحو نصف كمية الذرة التي كان يُنتظر أن تصدّرها أوكرانيا في الموسم الحالي – إلى المشترين،
بما يعطي لمحة سريعة عن حجم الفوضى التي صنعتها حرب روسيا في تجارة الحبوب العالمية التي تبلغ قيمتها نحو 120 مليار دولار.
وبناء على ما سبق ، تكتظّ صوامع الحبوب في جميع مناطق الحزام الزراعي في أوكرانيا،
بنحو 15 مليون طن من الذرة من محصول الخريف الماضي، معظمها كان ينبغي أن نراه مطروحاً في الأسواق العالمية حالياً.
ووسط المعاناة من اختناق سلاسل التوريد والارتفاع الصاروخي في أسعار النولون وأحوال الطقس،
تستعدّ الأسواق لاستقبال مزيد من الاضطرابات إذ تتزايد التعقيدات التي تحيط بصادرات أوكرانيا وروسيا
اللتين تشكلان معا نحو ربع تجارة الحبوب العالمية، مهددة بأزمات نقص في الغذاء.
تُعدّ أوكرانيا واحدة من كبرى الدول المصدرة للذرة والقمح وزيت عباد الشمس في العالم، وقد توقف تدفق هذه المنتجات بدرجة كبيرة.
وأصبحت صادرات الحبوب محدودة حالياً عند 500 ألف طن شهرياً، منخفضة عما يصل إلى 5 ملايين طن قبل اندلاع الحرب،
مما تسبب في خسائر قيمتها 1.5 مليار دولار بحسب تصريحات وزارة الزراعة في البلاد.
مازالت صادرات المحاصيل من روسيا – وهي أكبر دولة مصدرة للقمح في العالم– تتدفق إلى الأسواق العالمية،
غير أن شكوكاً تحيط بمسألة التسليم والدفع فيما يخص الشحنات المقبلة.
ظهور خطوط جديدة للتجارة
تحلّق الأسعار نتيجة الأزمات في تدفق صادرات الحبوب والبذور الزيتية وهي سلع أساسية بالنسبة إلى مليارات البشر والحيوانات في مختلف أنحاء العالم.
والدول التي تخشى نقصاً في الغذاء تتزاحم بحثاً عن موردين آخرين فتظهر خطوط جديدة للتجارة.
والجدير بالذكر ، ان صادرات البرازيل من القمح في الأشهر الثلاثة الأولى من العام تجاوزت بكثير جميع الكمية التي قامت بتصديرها العام الماضي بأكمله.
وتتجه شحنات الذرة الأمريكية إلى إسبانيا لأول مرة منذ أربعة أعوام.
وتدرس مصر مقايضة الأسمدة بالقمح الروماني وتعقد مباحثات مع الأرجنتين حول شراء القمح.
الهند مورد جديد للقمح فى الأسواق العالمية
والآن نرى الهند، التي حافظت تاريخياً على محصولها الهائل من القمح داخل حدودها – بفضل تحديد الحكومة لأسعاره – تقفز إلى أسواق التصدير،
وتطرح كمية قياسية في مختلف أرجاء آسيا .
فقد رفعت الهند صادراتها، وهي الثانية بين أكبر منتجي القمح بعد الصين، والتي ربما بلغت رقماً قياسياً مسجلة 8.5 مليون طن في الموسم الذي انتهى الشهر الماضي.
وقال نايليش شيفاجي شيدج، البالغ من العمر 46 عاماً ويزرع القمح على خُمس قطعة الأرض الخاصة بعائلته ومساحتها 15 فداناً تقريباً:
“إنني لا أتذكر آخر مرة ارتفعت فيها أسعار السوق الحرة متجاوزة الحد الأدنى الداعم الذي تضعه الحكومة”.
قال وزير التجارة والغذاء الهندي بيوش غويال، يوم الأحد: “إننا سنستمر في تصدير القمح بكمية كبيرة لتلبية احتياجات الدول التي لا تحصل على الإمدادات بالقمح من مناطق الصراع.
إن فلاحينا يركزون على زيادة الإنتاج”.
تتفاوض الهند على دخول الأسواق المصرية والتركية والصينية، وهي ثلاثة من كبرى أربع أسواق مستوردة للقمح،
وكذلك مع مشترين آخرين محتملين مثل البوسنة، ونيجيرا وإيران، وفقاً لوزارة التجارة.
من السهل أن تصل صادرات البلاد إلى 12 مليون طن في موسم 2022-2023 الذي بدأ الشهر الجاري،
بحسب تصريح فوزان علاوي، عضو مجلس إدارة لدى شركة “ألانا غروب” (Allana Group)، التي تعمل في تجارة السلع الزراعية منذ عام 1865.
اليوم نعيد تبديل وترتيب الكراسى
وقد أكد دان باس، رئيس شركة “أغريسورس” (AgResource) المتخصصة في أبحاث الأسواق الزراعية
على اننا نستطيع اليوم أن نعيد تبديل وترتيب الكراسي، ولكن إذا امتد الصراع خلال فصل الصيف،
وهو توقيت زيادة صادرات القمح من منطقة البحر الأسود عادة،
فإننا نبدأ الدخول في المشكلة. فهنا سيشعر العالم بالمعاناة من عجز المعروض.
والجدير بالذكر ان الأمم المتحدة حذّرت من أن أسعار الغذاء – التي سجّلت فعلاً أعلى مستوى في تاريخها – قد ترتفع بنسبة 22% أو يزيد.
وإذا انخفضت صادرات منطقة البحر الأسود انخفاضاً حاداً قد تخلف ما يصل إلى 13.1 مليون إنسان آخرين يعانون من نقص التغذية، وفقاً للمنظمة،
مما يؤدي إلى تعميق أزمة الجوع العالمية في عالم مازال يتعافى من تأثير انتشار جائحة كورونا.
رسوم نقل اعلى وارتفاع حركة الاسعار
المعروض العالمي كان ينخفض فعلاً بسبب الجفاف في كندا والبرازيل واختناق حركة النقل في بعض المناطق في العالم،
من التكدس وتعطل السكك الحديدية بالولايات المتحدة إلى إضرابات أصحاب اللواري في مختلف أنحاء إسبانيا.
يأتي الموردون الآخرون مع رسوم أعلى للنقل البحري، وترانزيت على فترة أطول أو مستوى جودة مختلف،
مما يؤدي إلى تسارع الزيادة في أسعار الغذاء.
الصدمة الإضافية الناتجة عن الحرب دفعت مقياساً لحركة الأسعار إلى مستوى قياسي،
بزيادة أسعار عقود الذرة والقمح المستقبلية في بورصة شيكاغو بنسبة تجاوزت 20% من بداية العام الحالي.
يُنتظر أن يصل إجمالي صادرات القمح من البلاد إلى 2.1 مليون طن خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام،
أو ما يقرب من ضعف الكمية في عام 2021 بالكامل. وقد شملت مرافئ الوصول كلاً من تركيا، وجنوب أفريقيا والسودان،
جميعها للمرة الأولى منذ أربعة أعوام على الأقل وفق بيانات صادرة عن وزارة التجارة الخارجية.
في غياب أي إشارة إلى أن أزمة العرض سوف تنحسر في وقت قريب، توقع “روبابنك” في مارس الماضي
أن يبلغ متوسط أسعار عقود القمح الآجلة 11 دولارا أو أكثر للبوشل حتى نهاية العام الحالي،
وعقود الذرة نحو 7.75 دولار للبوشل أو أعلى، متضمناً زيادة بنسبة 30% أو أكثر مقارنة بنهاية عام 2021.
زيلينسكي الروس يفعلون ما في وسعهم من أجل تحطيم قدراتنا الزراعية
في الواقع على الأرض، يعاني الفلاحون في الحصول على الأسمدة لمحاصيل القمح التي زرعت في فصل الخريف مع خروجهم من فترة الخمول الشتوي.
أما زراعات محاصيل الربيع الأساسية مثل الذرة وعباد الشمس فهي على وشك الفشل إذ يصارع المنتجون مشكلتي نقص وقود الديزل وسرقة الجرارات الزراعية.
قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لأعضاء المجلس التشريعي الهولندي يوم الخميس الماضي،
إن الروس “يفعلون ما في وسعهم من أجل تحطيم قدراتنا الزراعية وصناعة أزمة في الغذاء ليس فقط في أوكرانيا وإنما في العالم كله”،
زاعماً أن القوات زرعت ألغاماً أرضية في الحقول وأن المعدات والآلات الزراعية جرى تدميرها.
قالت ريباشنكو من نادي أوكرانيا: “جميعنا نأمل أن تنتهي هذه الحرب قريباً وأن تُفتح الموانئ. إننا نشعر بأننا مسؤولون – ليس فقط عن الأمن الغذائي داخل أوكرانيا، وإنما أيضا عن الأمن الغذائي للعالم”.
اقرأ أيضاً: اعتماد قروض زراعية بما يزيد عن 400 مليون ريال