مختبئة في الرمال: حكايات ونكهات الفقع السعودي

مختبئة في الرمال حكايات ونكهات الفقع السعودي

في أراضي المملكة الجافة، يختبئ كنز طهوي تحت سطح الرمال، لا يظهر إلا عندما تتوافر له الظروف المثالية.

يُعرف محليًا باسم “الفقع” أو “الفقع الصحراوي”، ويُعد من أكثر أنواع الفطريات ندرة وقيمة، وقد أسَر قلوب عشاق الطعام والمستثمرين الاقتصاديين على حدٍ سواء.

الفقع ليس مجرد مكوّن فاخر، بل رمز لتراث ثقافي وفرصة اقتصادية واعدة تنمو في قلب الصحراء.

ينتمي الفقع أو “الكمأ” كما يُعرف في اللغة العربية الكلاسيكية إلى عائلة Terfeziaceae، وهو نوع من الفطريات الصالحة للأكل ينمو في البيئات القاسية، لا سيما في شمال المملكة مثل مناطق الجوف والحدود الشمالية والمنطقة الشرقية.

وتتكاثر هذه الفطريات بعلاقة تكافلية مع جذور نبات الرُمان البري المعروف بـ “الحماض” أو “عباد الشمس”، الذي ينمو في التربة الرملية والصخرية.

وتُعد الأمطار الموسمية والعواصف الرعدية من العوامل الحاسمة لنمو الفقع، إذ تُطلق العواصف مركبات نيتروجينية تعزز خصوبة التربة. كما أشار التاجر المتخصص صالح السديري، الذي يعمل في هذا المجال منذ أكثر من 30 عامًا.

 

Dried Fagae
Dried Fagae

 

ويعود تاريخ استخدام الفقع في المملكة إلى قرون، إذ يشكّل جزءًا أصيلاً من المطبخ العربي القديم، وغالبًا ما ورد ذكره في الأدب العربي.

كان البدو والمزارعون المحليون يبحثون عن الفقع بعد موسم الأمطار، مستندين إلى معرفتهم العميقة بالأرض.

ويستذكر صالح بداياته قائلًا: “كنت أرافق والدي الذي كان يعمل في تجارة الخضار والفواكه، ثم اتجه إلى الفقع بعد أن بدأ الناس يهتمون بطهيه. أصبحت مولعًا به منذ صغري وحرصت على تعلم أنواعه ونكهاته”.

في السنوات الأخيرة، بدأت جهود علمية لتنظيم دراسة الفقع بشكل أعمق، من خلال تحليل ظروف التربة ودور الميكروبات في تسهيل نموه، مما قد يسهم في تحسين إنتاجه بيئيًا واقتصاديًا.

ويضيف صالح: “الفقع الطبيعي الذي ينمو بقوة الطبيعة لا يعادله شيء، رغم محاولات الزراعة”.

ويمتد موسم الفقع من أواخر الشتاء حتى بداية الربيع، حيث تشهد الأسواق المحلية حركة نشطة، وتتراوح الأسعار ما بين 150 إلى 300 ريال للكيلو، وقد تصل إلى 1000 ريال للأنواع النادرة.

وبدأ صالح في تصدير نوع “الزُبيدي الرجَوي” إلى دول مثل إيطاليا وفرنسا وإنجلترا، مؤكدًا الجودة العالية للفقع السعودي.

 

Khlasi
Khlasi

 

ومن أشهر أنواع الفقع:

الزُبيدي الرجوي: ذو لون أبيض كريمي، ناعم وسهل التنظيف، وله نكهة جوزية خفيفة. ينمو في عرعر وحفر الباطن، ويُعد الأعلى طلبًا للتصدير.

الزُبيدي الأشهب: يميل لونه إلى الرمادي البني، ويتميز بملمس أكثر صلابة ونكهة ترابية خفيفة.

الخلّاصي: يُعرف بـ”الفقع الأسود”، ذو قشرة خشنة ولون داخلي وردي عاجي، ويحتاج إلى تقشير، ويُخزن بالتجميد حتى عامين.

 

Zubeidi Ash-Hab
Zubeidi Ash-Hab

 

ويُعد الفقع مكوّنًا أساسيًا في العديد من الأطباق السعودية مثل الكبسة، كما يُطهى مع اللحم في طبق “فقع باللحم”، أو يُشوى ببساطة مع قليل من الملح والسمن أو زبدة الماعز لإبراز نكهته الغنية.

ويضيف الشيف ياسر جاد، رئيس جمعية الطهاة السعوديين: “الفقع ليس فقط مكوّنًا لذيذًا، بل يعبر عن ارتباطنا بأرضنا وتقاليدنا. طهيه هو تكريم لتراثنا العريق”.

وبجانب قيمته الطهوية، يتميز الفقع الصحراوي بخصائص طبية مثل مقاومة الالتهابات والبكتيريا، ويُستخدم تقليديًا في علاج أمراض العين، وفقًا لعدد من الروايات النبوية. ويحتوي على البروتينات والمعادن المفيدة، ما يجعله خيارًا غذائيًا صحيًا.

 

Zubeidi Rjawi
Zubeidi Rjawi

 

إن قصة الفقع السعودي هي قصة تراث متجدد، تلخص مرونة الإنسان أمام الطبيعة، وتحول الصحراء إلى مصدر للفرح والمذاق الراقي، وتُبرز قدرة المملكة على الجمع بين التاريخ والابتكار في طبق واحد.

بقلم: جاكلين جاكمان

اقرأ أيضاً: مزارعو عسير يحافظون على التراث الزراعي باستخدام الماشية والمحاريث التقليدية