عائلة الراجحي، لم تترك مجالاً من مجالات الاستثمار إلا وطرقته، بداية من استثمار الأموال بالمصارف، وحتى الأعمال الخيرية التطوعية في حملات الحج، وبناء المساجد، وغيرها من طرق الخير.
هذه المجالات تعكس النفوذ التجاري الواسع لعائلة الرَّاجحي، الَّتي انطلقت من الصفر، وقد هاجرت من محافظة صغيرة في القصيم بنجد، لتحط رحالها في الرِّياض، وليبدأ أفرادها أطفالاً وشيباً وشباباً، أجداداً وأحفاداً، بأعمال هامشيَّة ومجهدة، مقابل دريهمات قليلة، في ظروف من الفاقة والفقر، وليتمكنوا شيئاً فشيئاً، من بناء مؤسَّسات كبرى في كلِّ أنحاء المملكة، والوصول بأعمالهم إلى كلِّ أرجاء العالم.
يتربَّع أبناء عائلة الرَّاجحي اليوم،على عروش قوائم أغنى رجال الأعمال في السعوديَّة والخليج، والعالميَّة أيضاً؛ فأحد أبنائها رجل الأعمال سليمان بن عبد العزيز الرَّاجحي، قُدّرت ثروته بحسب “فوربس” بـ5,9 مليار دولار، ما جعله يحتلُّ المركز 169 في قائمة أغنياء العالم، قبل سنوات.
الهجرة إلى الرِّياض
وسط ظروف صعبة، ترك عميد عائلة الراجحي، عبد العزيز الرَّاجحي، أبناءه في محافظة البكيريَّة (منطقة القصيم)، وتوجَّه إلى العاصمة الرِّياض الَّتي تبعد نحو 370 كم، فعاش الأولاد في كنف أسرتهم الكبيرة، في بيت متواضع، يتقاسمون شظف العيش مع أبناء بلدتهم.
ثمَّ ما لبث الإخوة الكبار في عائلة الراجحي، أن التحقوا بوالدهم، في العاصمة السعوديَّة في الرِّياض، ولم يبق إلاَّ سليمان مع والدته، ولم يمكثا إلاَّ سنين قليلة، قبل أن ينضمَّا إلى الوالد والإخوة .
بعد اكتمال وصول كلِّ أفراد عائلة الراجحي، بدأ الإخوة الأربعة، وهم بالترتيب صالح، وعبد الله، وسليمان، ومحمد، بالبحث عن فرصتهم، وسط هذه المدينة الكبيرة، مقارنة بقريتهم الصغيرة، فالرِّياض في تلك الحقبة، كان يحيطها سور ملتف بأبوابها الثميري والدروازة، وداخلها السوق الكبير سوق الصفاة، كان يقضي الإخوة معظم وقتهم فيه، سعياً وراء رزقهم.
بدايات متعثِّرة
سليمان، أحد أبناء عائلة الراجحي، ترك الدِّراسة مبكراً، فقد كان منذ طفولته يميل إلى العمل والتجارة، حيث عمل حمّالاً وحارس بضائع البائعين في السوق، وفي وقت الفراغ كان يتتبَّعُ الإبل لتجميع ما يسقط منها من أحطاب. كما عمل في البناء وغيرها من المهن الَّتي أكسبته خبرة في أحوال السوق، ودراية بطرق التعامل ومعاملة مختلف الفئات والعقليات وطرق التجارة.
بعد الأعمال المتقطِّعة، أصبح طبَّاخاً وصل راتبه إلى 30 ريالاً شهريَّاً، ومن ثمَّ فتح محلاًّ على طريق المربَّع – مع بدايات توزع المدينة- بدأ فيه أول تجارات البيع لكلِّ الخردوات، أو ما يسمّى حاليَّاً محل أبو ريالين، فأصبح المحلُّ في طريق الغادين والرائحين، وبضاعته تلفت أنظارهم في الذَّهاب والإياب.
أمَّا الابن الآخر صالح، فقد كانت بدايته في المقيبرة بجوار سوق الملابس، ووقف الشاب الصغير يبيع بعض الأقفال والمفاتيح، و(الخردوات) البسيطة من الصَّباح حتى المساء، فيتحصَّل في نهاية يومه على سبعة قروش أو ستة، ويعود إلى البيت حاملاً هذه “الغنيمة” الشاحبة، مفكراً فيما عساها تفعله، ثم اتجه إلى العمل حمّالاً، فكان يحمل اللحم والبطيخ والخُضراوات للناس بريـال ونصف الرِّيـال في اليوم، وكان راضياً صابراً متوكِّلاً على الله، متحمّلاً في سبيل الرزق الحلال.
وكان يجمع مع إخوانه ما يتساقط من الجِمَال المحمَّلة بالحطب في بيت يستأجرونه بربع ريـال أو بنصف ريـال، وكلَّما تجمَّع لديهم قدر مناسب من الحطب باعوه، كما كانوا يجمعون روث الإبل ويبيعونه وقوداً، لم يكونوا يتأففون من أيِّ عمل ما لم يكن حراماً، وكانوا يرون أنَّ هذه الأعمال تكفيهم عن الناس، وما توجبه الحاجة إليهم من الخضوع والانقياد.
من القاع إلى القمَّة
بعد تلك المرحلة من المعاناة، أخذ الإخوة يشقون طريقهم، فقد تمكن سليمان عام 1943 من افتتاح دكان صغير في الطريق الرئيس في حيِّ المربَّع، وكان يبيع فيه عدداً من المنتجات، مثل السكَّر والشاي والكبريت والحلوى وغيرها، وكان يأتي ببعض المنتجات الَّتي لا تباع إلاَّ في البحرين، خاصة الحلويات، واستمر في العمل في هذا الدكان حتى عام 1945، حيث باعه ليسدد نفقات الزَّواج. بعدها انتقل للعمل مع أخيه صالح في محلِّه في الرِّياض.
وكان صالح، قد تجمَّع بيده قدر من المال، فاتَّجه للعمل في الصرافة، وهو فتى بعمر 16 سنة، فجاء ببساطه ومدّه في صف الدكاكين في الصفاة أمام الجامع الكبير، تعلم الشاب أمور الصرافة في زمن وجيز؛ وبدأ العمل يزدهر لديه، بعد أن أصبح رجل أعمال يشار إليه بالبَنان، ويثق الناس به، في معاملاتهم التجاريَّة، ما مكَّنه، مع شقيقه سليمان، من تأسيس شركة “الراجحي للصرافة”، عام 1957 برأس مال قدره 200 ألف ريـال، لكي يستخدمها حجاج بيت الله الحرام.
وكان صالح قد سبق شقيقه في العمل المصرفي ليلتحق فيه شقيقه سليمان ويزيده قوة في هذا المجال حيث انتقل سليمان للعمل في جدة في مجال الصرافة وهي المزدهرة هناك بحكم حركة الحجاج والمعتمرين فكانت بداية الانطلاقة من جدة لسليمان في العمل المصرفي ولصالح في الرياض.
وبعد سنوات انضمّ إليهما أخواهما عبد الله ومحمد، ليتفقوا على تأسيس “مصرف الرَّاجحي” ليكون أول بنك إسلامي في السعوديَّة وأحد البنوك الإسلاميَّة الكبرى في العالم، وأسسوا الكثير من الشركات المساهمة في التنمية الزراعيَّة والصناعيَّة، ومختلف القطاعات الغذائيَّة، مثل الدواجن والأسماك، ولم ينحصر عملهم في السعوديَّة بل تجاوزها إلى دول عربيَّة.
استندت عائلة الراجحي في نجاحاتها على الدأب والمثابرة، فمن مقولات سليمان الراجحي الأثيرة على نفسه “أنام كالدجاج وأصحو كالديك”، ويعني النوم باكراً، والصحو عند ساعات الفجر الأولى.
من المحليَّة إلى العالميَّة
كانت أعمال عائلة الراجحي منحصرة في المملكة، وفي العاصمة السعوديَّة الناشئة حينها، الَّتي كانت مهوى أصحاب الأحلام، وجدة بحكم موقعها بالقرب من مكة المكرمة إلاّ أنَّ أبناء الرَّاجحي كانت أعينهم على التوسُّع العالميِّ حينها، والبداية لمن يريد التوسُّع من موسم الحج الذي توجهت إليه عيون مكتب الصرافة، فانتقل سليمان إلى المنطقة الغربيَّة في الأربعينات، ليعمل مع كبار رجال الصرافة هناك، مثل الكعكي وبن محفوظ وباناجه، واستقر في المحافظة الساحليَّة، بعد أن كان يذهب إليها في المواسم.
ويروي سليمان جزءاً من هذه الرحلة الشاقة هناك والتنافس التجاري مع بعض البيوت الشهيرة، ومن بينها السبيعي فيقول كنا نتنافس في النهار ونخلد للنوم ونعيش في دار واحدة.
وانتقل العمل بعد ذلك إلى العالميَّة، فأصبحت شركة الراجحي المصرفية من أبرز الشركات الَّتي تتعامل مع البنوك الخارجيَّة السويسريَّة، وفي الجانب الآخر انطلق كلُّ من أبناء عبدالعزيز الراجحي إلى مجالات مختلفة، فصالح تميَّز في العمل العقاريِّ، حتى أصبح من كبار رجال العقار في المملكة، ويملك أكثر المواقع المميزة في كلِّ المواقع، ولم يكن ذا طمع أو حسد لزملائه العقاريين، وبنى مجمّعات سكنية في مواقع مختلفة، بقيت حتى اللحظة مجمّعات كبيرة ذات جودة لم ترتفع إيجاراتها، وسط فورة الأسعار.
وبعد وفاة صالح، بدأت المزادات على عقاراته الَّتي وصلت أرقامها إلى مليارات الريالات، وأكثر مواقعها كانت في مواقع متميَّزة في الرِّياض.
فيما توجه عبد الرحمن بن صالح الراجحي، إلى العمل، عبر مؤسسة الراجحي للتجارة والصيرفة الَّتي أغلقت بداية الألفيَّة الثانيَّة، فيما كان اختيار محمد للعمل الصناعي الَّذي تميَّز فيه، وأصبح من أقطاب الصناعة السعوديَّة، وعمل في أغلب المجالات الصناعيَّة الَّتي أسهمت في تطوُّرِ اقتصاد المملكة، حيث تصنف اليوم شركة الراجحي للصناعات الحديدية المحدودة التي أدارها نجله عبدالكريم في بدايتها، ويرأس مجلس إدارتها اليوم نجله بدر، بأنها من الشركات الوطنية الكبرى وضمن كبرى شركات صناعة الحديد والصلب في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، خصوصاً في إنتاج حديد التسليح والحديد التجاري وهي إحدى شركات شركة محمد عبدالعزيز الراجحي وأولاده القابضة.
وفضلاً عن إسهامه في تأسيس مصرف الراجحي، فقد أسهم محمد أيضاً في دعم السياحة الداخلية سويا مع رجال أعمال آخرين مثل الشيخ عبدالعزيز الموسى، عبر منظومة من الفنادق المتميزة، وكان له حضور فاعل في النشاط الاقتصادي والاجتماعي والخيري، إذ أسهم بشكل كبير في مساندة جهود الدولة التنموية، بمشاريعه الخيرية المتنوعة ذات البعد الاستراتيجي، فضلاً عن إسهامه في جهود الدولة الرامية إلى توطين الوظائف وسعودتها، والحد من البطالة، بتوظيف أكثر من 5000 موظف في مختلف القطاعات والشركات التي أسّسها.
ودعم الدولة أيضاً في تحقيق الأمن الغذائي بإنشاء مجموعة من المزارع الضخمة، وخاصة مزارع النخيل التي تجاوزعدد النخيل فيها أكثر من 250 ألفاً.