حين يسكن الليل، وتخفت الأصوات، وتغفو العيون، هناك من يختار أن يكون من المستيقظين.. لا لأمر من أمور الدنيا، بل ليناجي ربّه، ويغسل قلبه بأنوار السحر.
إنها صلاة التهجد، سرّ القرب، ومفتاح الرفعة، ولذّة المحبين.
ما هي صلاة التهجد؟
صلاة التهجد هي صلاة الليل بعد نومٍ، وهي من أعظم القربات التي يتقرّب بها العبد إلى الله تعالى، وقد جاءت النصوص تؤكد فضلها، وتُعلي مكانة أهلها.
قال تعالى:
﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا﴾
[الإسراء: 79]
وفي هذه الآية إشادة بمكانة صلاة التهجد، وربطٌ بينها وبين المقام المحمود، وهو مقام الشفاعة العظمى للنبي ﷺ، كما أن فيها توجيهًا نبويًا ضمنيًا لأمّته للاجتهاد في قيام الليل.
فضل صلاة التهجد
القرب من الله ومحبته: جاء في الحديث الصحيح عن النبي ﷺ:
“أقرب ما يكون العبد من ربه في جوف الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن.”
[رواه الترمذي]
قيام الصالحين: قال رسول الله ﷺ:
“عليكم بقيام الليل، فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقُربة إلى ربكم، ومكفّرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم.”
[رواه الترمذي]
إجابة الدعاء وغفران الذنوب: قال ﷺ:
“ينزل ربنا تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: هل من سائل فأعطيه؟ هل من داع فأستجيب له؟ هل من مستغفر فأغفر له؟”
[رواه البخاري ومسلم]
مقام خاص في الآخرة: الذين يُداومون على قيام الليل – ومنه التهجد – هم الذين امتدحهم الله بقوله:
﴿كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ﴾
[الذاريات: 17]
وقال سبحانه عنهم:
﴿تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ…﴾
[السجدة: 16]

كيف تُصلّى التهجد؟
يبدأ وقتها من بعد صلاة العشاء وحتى أذان الفجر.
الأفضل أن تُصلّى في الثلث الأخير من الليل، لأنه وقت نزول الله إلى السماء الدنيا.
تُصلّى ركعتين ركعتين، ويمكن أن يُختم بـ ركعة وتر.
لا حدّ لعدد ركعاتها، ولكن النبي ﷺ غالبًا ما كان يُصلي 11 أو 13 ركعة.
كيف تُهيئ نفسك لصلاة التهجد؟
النية الصادقة: أنوي أن تكون من أهل الليل، حتى لو غلبك النوم. فالمؤمن يُؤجر بنيّته.
النوم مبكرًا: يساعدك ذلك على الاستيقاظ بسهولة.
الابتعاد عن المعاصي: فإن المعصية تثقل القلب وتعوقه عن القيام.
التذكير بالفضل: ذكّر نفسك دائمًا أن هذه الصلاة باب لرحمة الله ومغفرته.
التهجد.. ليس لمن أراد فقط الأجر، بل لمن ذاق لذّة القرب
صلاة التهجد ليست مجرد عبادة تؤدى، بل هي لحظة صفاء روحي نادرة، حيث تخلو القلوب من شواغل الدنيا، وتُفتح فيها أبواب السماء، وتُسكب فيها الدموع، وتُقال فيها الحاجات، وتُرفع فيها الأكف بنداء: “يا ربّ”.
هي سرّ بينك وبين الله، لا يراك فيها أحد، ولا يُصفّق لك جمهور، ولا تُسجّلها الكاميرات.. ولكنها تُسجَّل في صحائف النور، ويكتبها الله في علّيين.
اقرأ أيضاً: صلاة قيام الليل وفضلها في شهر رمضان