بدأت موجة جديدة من إعادة التقييم داخل أوساط المدراء وقادة الأعمال بشأن الاعتماد المكثف على تقنيات الذكاء الاصطناعي، بعد فترة من الحماس الواسع لتبنّي الحلول المؤتمتة في مختلف القطاعات. فبعد أن كان الذكاء الاصطناعي يُنظر إليه كبديل فعّال وسريع للعنصر البشري، تشير توجهات حديثة إلى أن عددًا متزايدًا من المديرين باتوا يشعرون بما يمكن وصفه بـ«الإرهاق التقني»، ويفضّلون العودة إلى توظيف البشر في أدوار محورية.
ويعزو مسؤولو الشركات هذا التحول إلى عدة عوامل، أبرزها أن الذكاء الاصطناعي — رغم كفاءته في المهام المتكررة وتحليل البيانات — يفتقر إلى المرونة الإنسانية، والحس الإبداعي، والقدرة على الفهم العميق للسياق الاجتماعي والثقافي. كما لاحظ بعض المدراء أن الاعتماد المفرط على الأنظمة الذكية قد يؤدي إلى تجارب عمل أقل إنسانية، سواء على مستوى فرق العمل أو في التعامل مع العملاء.
وتشير آراء تنفيذية إلى أن أدوات الذكاء الاصطناعي، التي كانت في البداية مثيرة للإعجاب، أصبحت مع الوقت أقل إبهارًا عند استخدامها بشكل مكثف في القرارات اليومية، لا سيما في مجالات تتطلب حكمًا بشريًا، وتفاعلًا عاطفيًا، وقدرة على التعامل مع المواقف غير المتوقعة. وهو ما دفع بعض المؤسسات إلى إعادة التوازن بين الأتمتة والتوظيف البشري.
وفي هذا السياق، يؤكد خبراء إدارة أن المرحلة المقبلة لن تشهد تراجعًا عن الذكاء الاصطناعي، بل إعادة تموضعه كأداة داعمة لا بديلة، تُستخدم لتعزيز إنتاجية الموظفين بدلًا من إقصائهم. فالشركات الأكثر نجاحًا، بحسب الخبراء، هي تلك التي توظّف الذكاء الاصطناعي في المهام التقنية والتحليلية، مع الإبقاء على البشر في مواقع الإبداع، واتخاذ القرار، وبناء العلاقات.
ويعكس هذا التوجه تحولًا أعمق في فلسفة العمل الحديثة، حيث لم يعد التقدم التقني هدفًا بحد ذاته، بل وسيلة لتحسين الأداء مع الحفاظ على البعد الإنساني داخل بيئات العمل. وهو ما يعيد التأكيد على أن العنصر البشري لا يزال عنصرًا لا غنى عنه، حتى في عصر الخوارزميات والأنظمة الذكية.
