في حياة كلٍّ منّا مساحاتٌ ومحطّاتٌ ودوائر ومواقف…
مساحاتٌ للفرح، ومساحاتٌ للحزن، ومساحاتٌ للأمل، ومساحاتٌ للحب…
ومساحاتٌ للبغض، ومساحاتٌ للشوق والاشتياق…
وبين كل مساحة وأخرى محطّاتٌ للاستراحة، وللانتظار، وللعودة، وللرحيل…
تتّسع تلك المساحات باتّساع شعورنا وانتمائنا وتفاعلنا معها،
وتضيق كلما تقوقعنا واستسلمنا، ورسمنا حدودها ومداها قبل أن ندخل نطاقها وفناءها…
فكيف يشعر أحدنا بالفرح ما دام يفكّر بالحزن والنكوص؟
وكيف يشعر بالأمل ما دام يفكّر بالفشل والهزيمة؟
مساحة الفرح واسعة، بقناديلها وشموعها ودروبها…
فمع كلّ بسمة طفل ممزوجة بالبراءة، قنديلُ فرح، وشمعةُ أمل، ودربُ أمان.
ومع كلّ نسمةِ صبحٍ أشبعها الندى بعطر الأرض، قنديلُ فرح يزرع في القلب رجاءً ورداءً وحنانًا.
وفي المقابل، نجد أن مساحة الحزن واسعة بظلمة ليلها وثقل كاهلها وطول دروبها…
فإذا حلّ الحزن بفؤاد امرئٍ انتزع منه خيوط الفرح، وأطفأ شموع الحب، وقلب مواويل الرجاء…
من هنا تظهر قيمة الأمل والتفاؤل بالآتي…
فالأمل هو السبيل الذي يخرجنا من دائرة الحزن ومساحته.
ولولا هذه البارقة لبقينا رهائن أفكارنا وظنوننا…
وتتّسع مساحة الأمل إذا اقترنت بمساحة الفرح، لتكوّنا مساحةً مميزةً ببهجة مطلعها ونقاء سمائها.
فالأمل هو الشمعة التي تضيء لنا نفق التشاؤم والعزلة…
الحديث عن تلك المساحات يطول ويطول…
وكلما تحدّثنا عن دائرة أو موقف، لزمنا المقارنة والصدق في التعبير…
وبين كل هذا وذاك، تبقى مسألةٌ لا تعرف التسويف ولا الغلو ولا التطرف…
إنها مسألة الاعتدال، وهي المساحة الفاصلة بين كل الظروف والمسميات والمساحات والدوائر…
فلنترك لهذه المساحة مجالًا كي تتّسع لنا، وتتّسع بها الحياة…
كي تستمرّ بنا… ونستمرّ بها
بقلمي: محمد ذيب
نوفمبر 2025
