تواصل المرأة السعودية تسجيل إنجازات بارزة على مختلف الأصعدة، وهذه المرة من بوابة الرياضة، حيث نجحت ريم حزازي في أن تحجز مكانها كواحدة من أوائل الحكمات السعوديات المعتمدات دوليًا في رياضة رفع الأثقال، رافعة معها سقف التوقعات ودافعة جيلًا جديدًا من النساء لخوض مجالات كانت حتى وقت قريب حكرًا على الرجال.
بدأت رحلة حزازي قبل نحو ثلاث سنوات فقط، حينما دخلت صالة لرفع الأثقال ليسجّل القدر نقطة تحول في حياتها.
لم يكن اهتمامها منصبًا على أصوات الجماهير المشجعة للرياضيين، بل على دقة الحكام الذين يديرون المنافسات. عندها أدركت أنها لا تريد أن تكون مجرد متفرجة، بل أن تشارك من زاوية مختلفة، عبر التحكيم.
تقول ريم: «أدركت أنني لا أريد الاكتفاء بمشاهدة رفع الأثقال، بل أن أكون جزءًا منه ولكن من منظور آخر، لهذا قررت أن أخوض غمار التحكيم.»
واجهت ريم تحديات كبيرة في بداية مشوارها، إذ لطالما ارتبطت هذه الرياضة بالرجال، فيما بدا غريبًا على البعض أن تتواجد امرأة في ساحة التحكيم.
إلا أن حزازي تقبلت التحدي، مؤكدة أن العقبة الأكبر كانت كسر الصورة النمطية، مضيفة: «في البداية تفاجأ كثيرون من وجودي في هذا الدور، لكن مع الإصرار والعمل الجاد تحولت تلك الدهشة إلى احترام.»
دفعتها فضولها إلى التعمق في تفاصيل القوانين الدقيقة للعبة، من حركات الخطف إلى الكلين آند جيرك، فحرصت على التعلم بجانب حكام مخضرمين، مع إدراكها أن النجاح في التحكيم يتطلب دقة وانضباطًا وفهمًا شاملًا للقواعد.
الدعم الذي تلقته من عائلتها، وزملائها، والاتحاد السعودي لرفع الأثقال كان محوريًا. إذ وفّر الاتحاد برئاسة محمد الحربي برامج تدريبية وورش عمل وفرصًا للمشاركة في بطولات محلية ودولية، مما منحها الثقة للاستمرار والتطور.
عام 2023 شكّل نقطة مفصلية في مسيرتها، حين شاركت في دورة الألعاب العربية بالقاهرة، وهي تجربة وصفتها بالمذهلة. لم يكن الأمر مقتصرًا على المنافسة، بل شمل التعلم من خبرات الحكام العرب الآخرين والتأقلم مع المواقف تحت الضغط، والأهم من ذلك شعورها العميق بالفخر لتمثيل المملكة.
وفي العام نفسه، حصلت ريم على الشارة الدولية للتحكيم، وهو إنجاز اعتبرته مزيجًا من الفخر والمسؤولية. على الصعيد الشخصي، كان دليلاً على ثمار جهودها في البطولات المحلية، أما على الصعيد المهني فقد فتح لها الباب أمام المشاركة في المنافسات العالمية ورفع اسم المملكة في المحافل الرياضية المرموقة.
اليوم، باتت حزازي واحدة من أكثر من عشر حكمات سعوديات معتمدات، وهو ما يعكس تحولًا ثقافيًا لم يكن من الممكن تصوره قبل عقد من الزمن. تقول ريم: «الوضع اليوم مشجع جدًا، هناك اعتراف متزايد بدور المرأة، ودعم الاتحاد أحدث فرقًا ملموسًا. بين زميلاتي، يمكنك أن تلمس الثقة والحماس والفرص المتاحة للمشاركة الدولية.»
لكن طموحاتها لا تتوقف عند نجاحها الشخصي، بل تسعى أيضًا إلى المساهمة في إعداد جيل جديد من الحكام والحكمات لتعزيز المنافسات الوطنية. كما أنها تضع نصب عينيها التواجد في البطولات العالمية الكبرى وصولًا إلى الألعاب الأولمبية، مؤكدة: «أريد أن أظهر للعالم أن المرأة السعودية قادرة على قيادة المشهد الرياضي عالميًا.»
رسالتها للشباب والشابات الراغبين في خوض هذا المجال كانت واضحة: «آمنوا بأنفسكم وخذوا الخطوة الأولى مهما بدت صعبة. الرياضة مليئة بالفرص، والتحكيم تحديدًا يتطلب شغفًا وانضباطًا ودقة، ومع العمل الجاد ستصلون إلى النجاح.»
وبينما تستعد المملكة لاستضافة فعاليات رياضية كبرى في السنوات المقبلة، ترى ريم نفسها جزءًا من حركة أوسع تسعى إلى جعل الرياضة السعودية لاعبًا عالميًا. بابتسامة مفعمة بالثقة، اختتمت حديثها بالقول: «انتظروني في دورة ألعاب التضامن الإسلامي بالرياض هذا نوفمبر.»